ارهاصات جنون.. بقلم الشاعر الحسين ابن ابراهيم
إرهاصات جنون...
الله يعلم أنّي منك في كَبَدٍ
و أنّني في الضّنى فرْدٌ بلا سَنَدِ
كوارِدٍ نبْع ماءٍ عند مسبعة
قد صدّه الخوف ظمآنا فلم يَرِدِ
أهدى فريسته للأُسْد تنهشها
و الرّوح عندك في منْأى عن الأُسُد
فأنت سيّدها بالحبّ مالكها
و أنت داخلها باقٍ إلى الأبد
قيّدت قلبي بحبّ ليس فيه بلى
كأنّ حبّك حبل قُدَّ من مَسَدِ
فما استطعت فِكاكًا منه و انعقدت
بيني و بينك أطوار بلا عُقَدِ
ملّكتك مهجتي فاخترت شقوتها
عالجتها بين لفح الجمر و البَرَد
قل لي أعذّبتني مَحْضَ مُصادفةٍ
أم اتّفقتَ على قلبي مع النّكَد
أم اسْتسغتَ خُضوع الرّوح من شَغَفٍ
حين تخلَّتْ عن الإدراك و الرَّشَدِ
أصبحتُ كالطّفلِ لا ينفكُّ منشغِلا
رغم الفِطام بما في المهدِ من رَغَدِ
أَبيتُ أرعى نجوم اللّيل مُؤْتَزِرًا
بالصّبر و هو كَسَيْفٍ غيرِ مُنْغَمِدِ
القلبُ يكتُمُ و الآهاتُ تَفضَحُهُ
و العينُ أُشهِدُها بالدّمعِ بالرَّمَدِ
و رافَقتنِي زِرافاتٌ من الشَّجَنِ
تطُولُ حَوْلِي بِطولِ الشَّكِّ و الفَنَدِ
و حاصرتْني خُطوبٌ لا مَرَدَّ لها
مثلَ القضاءِ تُصيبُ دُونَمَا قَوَدِ
حتّى غدوْتُ و ما من مُضْغَةٍ سَلِمَتْ
من انشغالٍ و سُهْدٍ سائرَ الجَسَدِ
في كبِدي شِبْهُ بيْتٍ فِي ذُرَى جَبَلٍ
تَلهُو به الرّيحُ و البيتُ بلا وَتَدِ
أوْ خَفْقُ جُنْحٍ لطيرٍ فَرَّ مُنْذَعِرًا
بِهِ الجوارِحُ حَفّتْ دُونَ مُلْتَحَدِ
يطوي الجناحَ و يَهْوِي يائِسًا بَرِمًا
ثُمّ يعودُ فيعلُو غيرَ مُتَّئِدِ
الخَوْفُ يُحْجِمُهُ و الشَّوْقُ يَدْفَعُهُ
رغْم المَخاطِرِ مُنْحَلًّا مِنَ الرَّصَدِ
يا لائمي في هَواهُ إنَّهُ قَدَرِي
أدْمَى فؤادي الهوى قَهْرًا و شَلَّ يَدِي
أقْصِدْ بِلَوْمِكَ إنِّي ليْسَ يَنْفَعُنِي
في ما أُلاقي نَقيعُ المِسْكِ و الزَّبَدِ
خُذْ بُرْعُمًا من ضَنَى قلبي لِتَزْرَعَهُ
سَيُورِقُ البُرْعُمُ آهًا بِلا عَدَدِ
وَ اسْقِ النَّبَاتَ بدمعِي في مَحَاجِرِهِ
إنْ ضَنَّ طَلٌّ عليْهِ أوْ ترَاهُ صَدِي
و اجْمَعْ رذاذَ النَّدَى عن وَرْدِ وَجْنَتِهِ
فَذاكَ دمْعِي على الأيّامِ و المُدَدِ
و اقْطُفْ زُهورَ الهَوَى تَفْتَرُّ نَضْرَتُهَا
أرْسِلْ إليهِ شَذَاهَا خارجَ البَلَدِ
إني إليهِ لَفِي شَوْقٍ يُؤَرِّقُنِي
شَوْق العَقِيمِ إلى الإنجابِ و الوَلَدِ
ظَللْتُ أصْطْادُهُ في كُلِّ شارِدَةٍ
حتّى إذا وَرَدَتْ ما اصْطَدْتُ لَمْ أَجِدِ
فبِتُّ خُلْوَ اليَدَيْنِ حائِرًا لَغِبًا
و النّاسُ تَجْرحُني باللَّوْمِ عنْ حَسَدِ
صِلْنِي حَميدَ السَّجَايَا إنَّني بَشَرٌ
مهْما صبرتُ تَخُورُ قُوّةُ جَلَدِي
زُرْني و لَوْ في الكَرَى طيْفًا يُهَدْهِدُنِي
إن غِبتَ تقتُلُني حتْمًا من الكَمَدِ
إنّي ظَمِئْتُ و هذا الجمْرُ مُسْتَعِرٌ
في كلّ عِرْقٍ كَوَى كيًّا بلا وَقَدِ
و اللّيلُ طالَ و ظلَّ الفجرُ مُحتَجِبًا
فاطلعْ مع الفجرِ كُنْ لي فجرَ كلّ غَدِ.
*الحسين بن ابراهيم.
تعليقات
إرسال تعليق